كنا نتمنى ان يعكس هذا العنوان حقيقة وقع فيها البعض خلال حماوة الانتخابات النيابية، الا انها باتت كذبة كغيرها من الاكاذيب التي وقع ضحيتها البعض، واستمرت الغالبية في تصديقها بعد مرور سنوات وسنوات على اطلاقها. التغيير والوعود بلبنان جديد يفصّل على قياس الناس وليس على قياس الاحزاب والزعماء والمسؤولين، ذهبت ادراج الرياح، وها هو المجلس النيابي الذي قامت الدنيا ولم تقعد لاجراء الانتخابات في موعدها وايصال "التغييريين" الى البرلمان لاصلاح الامور، قد اكد المؤكد وهو ان ما يقال لا يمكن تطبيقه على ارض الواقع، والدليل الاول على ذلك اتى من مجلس النواب تحديداً حيث عاد رئيس مجلس النواب نبيه بري الى موقعه، وكان التغيير الوحيد الذي حصل هو في عدد الاصوات التي نالها، ما يعني ان ما قيل عن معركة وحرب انما انحصر في "تقليل" عدد الاصوات فقط لا غير.
اما على صعيد نيابة الرئاسة (التي لا دور لها فعلياً في ظل وجود بري في الرئاسة)، فكان التغيير ايضاً غائباً، اذ لم ينجح "التغييريون" في الاتفاق على مرشح واحد (على الرغم من محاولة تعزيز حظوظ النائب غسان سكاف بعد انسحاب النائب سجيع عطية)، فانقسمت اصواتهم وكان التغيير الوحيد الذي حصل هو في الكلام عن عدم القبول بعودة الامور الى ما كانت عليه، فيما الواقع كان مغايراً تماماً لكل ما قيل في هذا السياق. اين التغيير في ما حصل؟ واين الوعود التي تبجّح المرشحون على اختلافهم في اطلاقها قبل الانتخابات؟ ولا شك ان ما شهده مجلس النواب بالامس ليس سوى "بروفة" للاستحقاقات المنتظرة ان على صعيد الحكومة او على صعيد رئاسة الجمهورية. وما يمكن قوله هو ان لا شيء تغيّر وتشكيل الحكومة المقبلة سيأخذ مداه، وعلى الجميع الا يصدّقوا كل ما يقال عن "فرض شروط" من هنا وهناك للخروج بحكومة مستقلة عن الاحزاب والسياسيين، فهذا كلام لا يصلح سوى للاستهلاك، وجلّ ما سيحصل هو تأخير التسوية لوقت غير معروف، وبغطاء خارجي حتماً، الى ان يرضى الجميع بما سيتمّ تقاسمه من حصص، وتعويض الاطراف ما خسروه في الانتخابات وعلى صعيد رئاسة وهيئة مكتب المجلس النيابي، وضمان ما سيحصلون عليه في التعيينات التي ستلي، كل ذلك بدعم خارجي بطبيعة الحال، ما يعني ان الفترة التي سيستغرقها تشكيل الحكومة لن تكون في متناول القوى المحلّية فقط، وبالطبع لن تكون قريبة حتى من الحراك الشعبي او "التغييريين".
ومع عودة بري الى الساحة، يكون المشهد اللبناني قد أرسى اسس العودة الى ما كان عليه، وعلى الرغم من تغيّر بعض الاسماء او الشخصيات، الا ان ما اشتكى منه الجميع سيكون هو المعتمد لبناء المرحلة المقبلة، حكومياً ورئاسياً، لانه بعد الاستحقاق الحكومي، سيتكرر السيناريو نفسه في الاستحقاق الرئاسي، الى ان تفضي التسوية الى انتخاب شخصية لا تنتمي الى التغيير بصلة، لانه حتى ولو سلّمنا جدلاً ان الرئيس المقبل سيحمل معه رغبة حقيقية في التغيير، لن يمكنه القيام بأي شيء في ظل "اللوبي" السياسي والحزبي الذي سيواجهه ويحد من تحركاته وقراراته (هذا اذا كان الرئيس تغييرياً بالفعل وليس فقط بالقول). وعليه، نجد ان الحلقة المفرغة التي دار فيها اللبنانيون لنحو ثلاث سنوات، بقيت على حالها لا بل زادت سوءاً، ورسّخت نفسها على انها الثابت الوحيد في هذا البلد. كنا قد وُعدنا بحكومة تنقذ الوضع فتبيّن ان الوعد بقي ناقصاً، وكنا قد وُعدنا بانتخابات تنقذ الوضع، فتبيّن ان الوعد كان فارغاً، وسيتم وعدنا بحكومة جديدة ورئيس جديد ينقذان لبنان، ومن شبه المؤكد ان الوعد سيكون مجرد كلام في الهواء، واقصى ما يمكن ان يأمله اللبناني هو ان يتم اتخاذ تدابير تحدّ من التدهور وتسمح له تدريجياً بالعودة الى ما كان عليه سابقاً، وتحديداً قبل نحو ثلاث سنوات، فيكون التغيير المنشود عودة الى الماضي.